تنوعت المآذن في مختلف البلاد الإسلامية تنوعا كبيرا. وقد اصاب هذا التنوع نواحي المآذن الشكلية واسلوب زخرفتها وزينتها. وصار هذا التنوع من الشده بحيث يصعب ان نجد منارتين متماثلتين من ناحية التصميم والهندسة. وذلك يعود لتاريخ المنطقة التي تحيط بهذه المئذنة و جغرافيا الارض والتراث الخاص بالمنطقة.
و لكنها جميعها التزمت بوظيفتها الأساسية وهي ان يرتفع فوقها اسم الله جل وعلا. 6حيث يدعو المؤذن من اعلاها المصلين الى الصلاة في اوقاتها المعينة.
يرجع بعض المؤرخين اشتقاق المآذن بشكلها الحالي من شكل الأسطوانة التي كان يقف فوقها المؤذن بلال الحبشي في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ،امام المستشرقون المتعصبون فيرجعون ان اشتقاق المآذن الى اشكال الابراج السورية المعروفة في كنائسها القديمة أو الى اشكال الفنارات التي كانت تقام في الثغور.
والحقيقة ان الامويين كانوا قد اتخذوا المآذن لأول مره في دمشق حين اذن المؤذن للصلاة من اعلى الابراج القائمة في زوايا جدران كنيسه يوحنا الدمشقي. وقد اتخذوا البرجين المربعين الواقعين على جانبي جدار القبلة مآذن للمسجد الاموي. الاّ أن الوليد بن عبد الملك لم يكتفي بذلك فشيد في سنه ٧٠٥ ميلادية مأذنةً بطراز يختلف عن طراز الابراج الكنائسية وجعلها في وسط الجدار الشمالية للمسجد وهي اجمل مأذنة انشئت في بلاد الشام وصار يطلق عليها اسم العروسة ثم اخذ هذا الطراز ينتشر في الحجاز وشمال افريقيا و حتى وصل الى الاندلس مع شيء قليل من التغيير في التصميم والزخرفة.
اما في العراق فلم تبقي عوادي الزمن على اي نموذج للمآذن القديمة التي توجد في المساجد التي ترجع الى عهد الخلفاء الراشدين أو عهد الاموين الا بعض المنائر التي ادخلت عليها تغييرات عمرانية عديدة .
وفي العصر العباسي الاول كان لمسجد الجامع الكبير في مدينه المنصور دار السلام المدينة المنورة مئذنة ، ولكن لا يمكن معرفة شكلها بعد ان زالت مع اغلب معالم هذه المدينة العظيمة من الوجود.
إلا أن الدكتور مصطفى جواد وزميله الدكتور احمد سوسه تمكنا من تعيين موضع هذه المأذنة بالاستناد الى ما ذكره الخطيب البغدادي عن دفن عبد الله بن دوست المحدث الفقيه المالكي بعد وفاته سنه 407 هجريه، في جدار جامع مدينه المنصور الواقعة في زاويه الجامع الغربية - الشمالية بالقرب من (باب الشام) أحد ابواب المدينة المدورة
ملوية جامع سامراء:
عندما نقل المعتصم بن هارون الرشيد (733- 842 ميلادية) مقر الخلافة من بغداد الى المدينة الجديدة التي اسسها ( سامراء) سنه 221 هجريه/ 136 ميلادية)حيث بنا فيها جامعاً كبيراً وقد توسعت هذه المدينة في زمن ابنه الواثق (٨٤١-٨٤٦ م ) ووصلت الى اوج عظمتها في زمن المتوكل(٨٤٦- ٨٦١ م ) حيث شيد فيها القصور وارتفع البناء حتى صار يتغنى فيها الشعراء و قال ابن الجهم في وصف احد قصورها:
بدائعٌ لم ترها فارس ولا الروم في طول اعمارها
صحون تسافر فيها العيون اذا ما تحلت لأبصارها.
وعندما ضاق الجامع الكبير الذي بناه المعتصم بالمصليين اعاده بنائه المتوكل حيث تم البدء في البناء سنه 949 هجريه ميلاديه. 649. ميلاديه وتم الانتهاء من العمل سنة ١٥٣ميلادية وبهذا التوسع صار يكفي لأكثر من 100 الف مصل. وقد رفع لهذا الجامع منارة ملوية ليعلو منها اصوات المؤذنين الى مسافات بعيده. وجعل شكلها مخروطياً يقوم فوق قاعده مربعه و يدور على المخروط الحلزوني عند مركز اوسط الجانب الجنوبي مرقاة. دورانها عكس دوران عقرب الساعة حتى تتم خمسه دورات، وكلما صعدنا الى الاعلى تزداد شده انحدار المرقى الى ان يصل الى باب في القمه يؤدي الى داخل بناء اسطواني الشكل يسميه العامة (الجاون) حيث يبلغ قطر هذه الاسطوانة ستة امتار ومثلها ارتفاعها.
ان هذه الاسطوانة محلاة من الخارج بثمانية محاريب ذات عقود مدببة ،يوجد في أحدها باباً بعد فتحة ومن هذا الباب يبدأ الصاعد في الصعود على سلم شديد الانحدار يبدأ مستقيماً ثم يصير حلزونيا وفي نهايته قمه المؤذن التي ترتفع عن سطح الارض بمقدار ٥٣ متراً.
وقد عثر العالم الالماني (هيرزفلد) على اكثر من ثمانية حفر في محيط الأسطوانة واعتقد انها لتثبيت 8 اعمده خشبيه تحمل سقيفه او قبه على هذا الموضوع الاعلى من المنارة.
بنى المتوكل شمال سامراء مدينة سماها المتوكلية او الجعفرية وشيد فيها جامعاً كبيراً (جامع ابي دلف) وجعل لهذا الجامع مئذنة شبيهة بالملوية ولكنها أصغر حجماً، طول كل ضلع من اضلاع قاعدتها المربعة يختلف عن الاضلاع الاخرى.
فالضلعين الجنوبي والشمالي ١٠،٨٧ متراً. والشرقي والغربي ١٠،٦٠ متراً ،وارتفاع القاعدة ٢،٧٠ متراً ، وفي وجه هذه القاعدة محاريب ايضا عددها ثلاثة عشر محراباً في كل ضلع ، ما عدا الضلع الجنوبي الذي فيه عشرة محاريب.
وفوق القاعدة يرتفع القسم الحلزوني، وتدور المرقاة حوله ثلاث دورات عكس عقارب الساعة حتى يصل الى القمة التي ترتفع عن سطح الارض بمقدار 19 مترا.
واذا اردنا التحدث عن اساس الملوية فأن هناك البعض يرجع الى انها محورة من أصل الزقورة السومرية القديمة والتي كانت في معابد وادي الرافدين والتي كان الهدف منها تقديم طقوس العبادة الوثنية أنذاك .
بعد ان استعرضنا مواصفات ملويه سامراء. في الجامع الكبير ومثيلاتها لابد لنا من بيان مواصفات احدى الزقورات في بلاد ما بين النهرين لنجد في ما اذا كان هناك اي تشابه او اشتقاق للطراز المعماري للملوية من بناء الزقورة.
المعروف ان الزقورة هي برج مدرج انشأها السومريون والاشوريون والبابليون كلٌ في حقبته وزمنه ، وانتقل طراز بنائها الى عيلام في ايران حيث وجدت هناك نماذج مشابهة تعود لحقب تاريخية متأخرة.
أنشأت الزقورات في البدء بشكل معبد قائم على مصطبة واحدة عالية كما نشاهد في معبد القير( الالف الرابع قبل الميلاد عصر الشبيه بالكتابي) ثم ارتفع المعبد على ثلاث مصاطب واكثر في المدن القديمة الاخرى حتى بلغ عدد المساطب الى سبعة في بابل، وقد جرى هذا التطور في بناء الزقورات خلال الف عامٍ أو اكثر.
لا شك أن حضارة وادي الرافدين قد وضعت أسسها ونمت و تطورت منذ عصور ما قبل التاريخ وأن اقدم المباني العامة التي تركزت حولها أولى المستوطنات في السهل الرسوبي كانت المعابد التي استمر تطورها سعة وشكلاً وعددا في الادوار التاريخية التالية .
وكانت المعابد بيوت الإلهة ومساكنها الا أن الألهة كانت متفاوتة في اقدارها ودرجاتها ومنزلة عبادتها وتقديسها. فالألهة القليلة الشأن لم يخصص لعبادتها سوى مزاٍ صغير قد يقام في احدى الطرق او في غرفه في بيت من بيوت السكنى.
و هنالك آلهة محليه بعبادتها وتقديسها مدينة من المدن المختلفة. فأله المدينة هو حاميها وشفيعها وقد شيد في كل مدينة معبد كبير لألهها.
اما الألهة العظام فهم الذين عمت عبادتها وتقديسها جميعا القطر ولم تقتصر على مدينة واحدة ومن هذه الالهة (مردوخ) اله بابل عندما عظم شأن هذه المدينة و اصبحت عاصمة امبراطورية في عهد ملكها الشهير حمورابي(١٧٩٢-١٧٥٠ ق.م).
من ابرز مواصفات الزقورة واكثرها حفاظاً على شكلها لاسيما بعد الصيانة التي أجرتها مؤسسة الاثار القديمة، لقد ازدهرت مدينه اور في زمن سلاله أور الثالثة التي دام حكمها زهاء قرن واحد( 2112 الى 2004 قبل الميلاد). واشتهر من ملوكها (أور- نمو ) الذي وجه نشاطها بالدرجة الأولى الى إعمار معبد اله القمر نانا. و زقورته.
ان هذه الزقورة تعاصر في الزمن زقورة الوركاء و زقورة أريدو وكذلك زقورة نفر وقد امتازت بوجه خاص في كونها مؤلفة في الاصل من ثلاث طبقات يطلق على هذه الزقورة اسم( اي – تمن - ني – كور). وقد استغرق تشيدها ثمان سنوات ؛ بنيت على انقاض زقوره اقدم منها وجعل الهيكل الداخلي من آجر اللبن. وأحيط هذا الهيكل من الخارج بجدار من الاجر المشوي سمكه 8 اقدام مبنى بمونه القير. ومن هنا جاءت تسميه الموقع بالمقيّر.
ان الطبقة السفلى من الزقورة مستطيله الشكل ابعادها 200 في 150 قدم وارتفاعها عن الارض ١١مترا وقياس الطبقة الثانية ٣٦ مترا. وارتفاعها ٦ امتار. وبقايا الطبقة الثالثة 20 في واحد متر. ولم يبقى من ارتفاعها الاصلي سوى ثلاثة امتار. وكان المعبد العالي قائما فوق الطبقة الثالثة ومن الثابت ان البرج هذا قد قام بتجديده ملوك متأخرين، اخرهم ( نبونيدس) أخر ملوك الدولة البابلية الحديثة وقد رفعه الى سبع طبقات.
ويلاحظ في الوجه الشمال الشرقي من البرج السلالم الثلاثة التي كان يرقي بها الصاعد الى أعلى البرج ، واحد في الوسط واثنان جانبين يتصلان بالسلم الاوسط في الاعلى. وقد قامت مديريه الاثار قديما بتجديد الغلاف الخارجي للجدران واعاده بناء السلالم.
ان ما يلفت النظر في سطوح اوجه الجدران الخارجية للزقورة التحدب والانتفاخ اليسير فيها والذي يطلق عليه( Entasis) في الفن المعماري, وهذا التحدب وظيفته التغلب على خداع البصر والذي بدونه تبدا الجدران مقعره لو انها شيدت مستويه السطح اي شاقولية تماما.
ان خاصيه التحدب في الجدران العالية وفي الأعمدة الشاهقة تميزت بها الابنية اليونانية بعد عده قرون من معرفة ابناء الرافدين لها ،ويلاحظ ذلك جليا في معبد البارثينون في اليونان ، وهنا نجد ان المعماري العراقي قد أوجد قواعد في غاية الخطورة منذ اكثر من ثلاث وعشرين قرناً قبل الميلاد.
اما الشيء الأخر الذين نلاحظه في بناء الزقورة فهو وضع السلام الصاعدة الى الأعلى بحيث تدفع بقصر الناظر اليها باتجاه القمه التي يرتفع فوقها معبد أله المدينة..
لقد دلت بعض القطع الآجرية المزججة والتي عثر عليها بين أنقاض الزقورة على أن الجدران كانت مكسية بالآجر المزجج وبألوان مختلفة، ويتعقد عالم الآثار السير ليونارد وولي أن الطبقة السفلى كانت سوداء، والطبقة التي تعلوها كانت حمراء والطبقة الثالثة كانت زرقاء، أما المعبد الشامخ فقد كان مغطى بقبة عليها طبقة من المعدن البراق .
٠وهذه الألوان لها معناها الخاص والتي يفسرها ( وولي) بكون اللون الأسود يمثل العالم السفلي أما اللون الأحمر فهو للعالم الخارجي المنير ، والأزرق رمز عالم السماء أما المعدن البراق فيرمز للشمس الساطعة.
والشيء الأخر الذي يلفت النظر في شكل الجدران الخارجية للزقورة هو عدم استوائها، بل أنها مكونة من طلعات وخرجات ، وهو الأسلوب المتبع في بناء المعابد في بلاد الرافدين ، والتي لها دورها الفعال في لعبة الظل والضوء نتيجة اشعة الشمس التي تتميز بها بلاد الرافدين حيث تعكس ظلالها على تلك الجدران فتعطيها منظرا جميلا .
الملوية و كما بينا عبارة عن جسم حلزوني اقرب للمخروط بينما الزقورة جسم مكون من عده مصطبات يعلو بعضها فوق بعض ويظهر هذا الحجم كلما صعدنا الى الاعلى.
ثم ان الملوية تنتهي بجسم اسطواني على سطحه الأعلى يقف المؤذن بينما نجد في اعلى الزقورة مساحه كبيره يقوم عليها بناء معبد او بيت اله المدينة ،اما الصعود الى أعلى الملوية فيتم
بواسطة مرقاة تدور حول الجسم الحلزوني دورات معاكسه لعقرب الساعة، في حين أن سلالم الزقورة تصعد الى الاعلى باتجاه مستقيم ولا تدور حول المصطبات.
من اول الدعاة بان طراز الملوية يماثل اسلوب الزقورة هو العالم الالماني (هرز فيلد) الذي تراس البعثة الألمانية التي قامت بالتنقيب في اطلال سامراء من سنه ١٩١١ حتى قيام الحرب العالمية الاولى.
ومن هذا فهو ينكر على من يقول باشتقاقها من الزقورة مباشرة ولكنه صار يعزي الاشتقاق الى ابراج النار التي يطلق عليها اسم كور ( CUR) وهناك واحدة منها قربه فيروز آباد في ايران وهذه الابراج ليست مخروطية كالملوية ، بل بشكل مكعبات تبرم حول نفسها وتظهر كلما ارتفعت الى ان تصل الى القمه حيث يكون مشعل النار فيها والسلام تدور حولها من الخارج ولكن هذه السلالم مغطاه بقبة وليست مكشوفة كالسلالم الموجودة في الملوية. لذلك فمن جميع الوجوه فأن هذه الأبراج غير مماثلة للملوية ولا يمكن أن تكون مصدر وحي واشتقاق لباني الملوية وان الملوية هذه كما قال الأستاذ ( أحمد فكري) في كتابه مساجد القاهرة ومدارسها ( ص١١٨ ) " منارة لم يكن لها نظير ، من قبلِ بنائها، ولا من بعده . من حيث أنها مستديرة القامة ، ومدرجة الطوابق ، وثانياً من حيث أن سلمها لولبي ، وقاعدتها مربعة ".
ومهما كانت النتائج فأن الزقورة والملوية هما بناءان وابتكاران من أبداع المعماري والمهندس الرافديني الذي أتحف العالم بكل ما هو بديع وجميل و ابتكرت يداه اروع الاختراعات واجمل الصناعات وأولها.
و لكنها جميعها التزمت بوظيفتها الأساسية وهي ان يرتفع فوقها اسم الله جل وعلا. 6حيث يدعو المؤذن من اعلاها المصلين الى الصلاة في اوقاتها المعينة.
يرجع بعض المؤرخين اشتقاق المآذن بشكلها الحالي من شكل الأسطوانة التي كان يقف فوقها المؤذن بلال الحبشي في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ،امام المستشرقون المتعصبون فيرجعون ان اشتقاق المآذن الى اشكال الابراج السورية المعروفة في كنائسها القديمة أو الى اشكال الفنارات التي كانت تقام في الثغور.
والحقيقة ان الامويين كانوا قد اتخذوا المآذن لأول مره في دمشق حين اذن المؤذن للصلاة من اعلى الابراج القائمة في زوايا جدران كنيسه يوحنا الدمشقي. وقد اتخذوا البرجين المربعين الواقعين على جانبي جدار القبلة مآذن للمسجد الاموي. الاّ أن الوليد بن عبد الملك لم يكتفي بذلك فشيد في سنه ٧٠٥ ميلادية مأذنةً بطراز يختلف عن طراز الابراج الكنائسية وجعلها في وسط الجدار الشمالية للمسجد وهي اجمل مأذنة انشئت في بلاد الشام وصار يطلق عليها اسم العروسة ثم اخذ هذا الطراز ينتشر في الحجاز وشمال افريقيا و حتى وصل الى الاندلس مع شيء قليل من التغيير في التصميم والزخرفة.
اما في العراق فلم تبقي عوادي الزمن على اي نموذج للمآذن القديمة التي توجد في المساجد التي ترجع الى عهد الخلفاء الراشدين أو عهد الاموين الا بعض المنائر التي ادخلت عليها تغييرات عمرانية عديدة .
وفي العصر العباسي الاول كان لمسجد الجامع الكبير في مدينه المنصور دار السلام المدينة المنورة مئذنة ، ولكن لا يمكن معرفة شكلها بعد ان زالت مع اغلب معالم هذه المدينة العظيمة من الوجود.
إلا أن الدكتور مصطفى جواد وزميله الدكتور احمد سوسه تمكنا من تعيين موضع هذه المأذنة بالاستناد الى ما ذكره الخطيب البغدادي عن دفن عبد الله بن دوست المحدث الفقيه المالكي بعد وفاته سنه 407 هجريه، في جدار جامع مدينه المنصور الواقعة في زاويه الجامع الغربية - الشمالية بالقرب من (باب الشام) أحد ابواب المدينة المدورة
ملوية جامع سامراء:
عندما نقل المعتصم بن هارون الرشيد (733- 842 ميلادية) مقر الخلافة من بغداد الى المدينة الجديدة التي اسسها ( سامراء) سنه 221 هجريه/ 136 ميلادية)حيث بنا فيها جامعاً كبيراً وقد توسعت هذه المدينة في زمن ابنه الواثق (٨٤١-٨٤٦ م ) ووصلت الى اوج عظمتها في زمن المتوكل(٨٤٦- ٨٦١ م ) حيث شيد فيها القصور وارتفع البناء حتى صار يتغنى فيها الشعراء و قال ابن الجهم في وصف احد قصورها:
بدائعٌ لم ترها فارس ولا الروم في طول اعمارها
صحون تسافر فيها العيون اذا ما تحلت لأبصارها.
وعندما ضاق الجامع الكبير الذي بناه المعتصم بالمصليين اعاده بنائه المتوكل حيث تم البدء في البناء سنه 949 هجريه ميلاديه. 649. ميلاديه وتم الانتهاء من العمل سنة ١٥٣ميلادية وبهذا التوسع صار يكفي لأكثر من 100 الف مصل. وقد رفع لهذا الجامع منارة ملوية ليعلو منها اصوات المؤذنين الى مسافات بعيده. وجعل شكلها مخروطياً يقوم فوق قاعده مربعه و يدور على المخروط الحلزوني عند مركز اوسط الجانب الجنوبي مرقاة. دورانها عكس دوران عقرب الساعة حتى تتم خمسه دورات، وكلما صعدنا الى الاعلى تزداد شده انحدار المرقى الى ان يصل الى باب في القمه يؤدي الى داخل بناء اسطواني الشكل يسميه العامة (الجاون) حيث يبلغ قطر هذه الاسطوانة ستة امتار ومثلها ارتفاعها.
ان هذه الاسطوانة محلاة من الخارج بثمانية محاريب ذات عقود مدببة ،يوجد في أحدها باباً بعد فتحة ومن هذا الباب يبدأ الصاعد في الصعود على سلم شديد الانحدار يبدأ مستقيماً ثم يصير حلزونيا وفي نهايته قمه المؤذن التي ترتفع عن سطح الارض بمقدار ٥٣ متراً.
وقد عثر العالم الالماني (هيرزفلد) على اكثر من ثمانية حفر في محيط الأسطوانة واعتقد انها لتثبيت 8 اعمده خشبيه تحمل سقيفه او قبه على هذا الموضوع الاعلى من المنارة.
بنى المتوكل شمال سامراء مدينة سماها المتوكلية او الجعفرية وشيد فيها جامعاً كبيراً (جامع ابي دلف) وجعل لهذا الجامع مئذنة شبيهة بالملوية ولكنها أصغر حجماً، طول كل ضلع من اضلاع قاعدتها المربعة يختلف عن الاضلاع الاخرى.
فالضلعين الجنوبي والشمالي ١٠،٨٧ متراً. والشرقي والغربي ١٠،٦٠ متراً ،وارتفاع القاعدة ٢،٧٠ متراً ، وفي وجه هذه القاعدة محاريب ايضا عددها ثلاثة عشر محراباً في كل ضلع ، ما عدا الضلع الجنوبي الذي فيه عشرة محاريب.
وفوق القاعدة يرتفع القسم الحلزوني، وتدور المرقاة حوله ثلاث دورات عكس عقارب الساعة حتى يصل الى القمة التي ترتفع عن سطح الارض بمقدار 19 مترا.
واذا اردنا التحدث عن اساس الملوية فأن هناك البعض يرجع الى انها محورة من أصل الزقورة السومرية القديمة والتي كانت في معابد وادي الرافدين والتي كان الهدف منها تقديم طقوس العبادة الوثنية أنذاك .
بعد ان استعرضنا مواصفات ملويه سامراء. في الجامع الكبير ومثيلاتها لابد لنا من بيان مواصفات احدى الزقورات في بلاد ما بين النهرين لنجد في ما اذا كان هناك اي تشابه او اشتقاق للطراز المعماري للملوية من بناء الزقورة.
المعروف ان الزقورة هي برج مدرج انشأها السومريون والاشوريون والبابليون كلٌ في حقبته وزمنه ، وانتقل طراز بنائها الى عيلام في ايران حيث وجدت هناك نماذج مشابهة تعود لحقب تاريخية متأخرة.
أنشأت الزقورات في البدء بشكل معبد قائم على مصطبة واحدة عالية كما نشاهد في معبد القير( الالف الرابع قبل الميلاد عصر الشبيه بالكتابي) ثم ارتفع المعبد على ثلاث مصاطب واكثر في المدن القديمة الاخرى حتى بلغ عدد المساطب الى سبعة في بابل، وقد جرى هذا التطور في بناء الزقورات خلال الف عامٍ أو اكثر.
لا شك أن حضارة وادي الرافدين قد وضعت أسسها ونمت و تطورت منذ عصور ما قبل التاريخ وأن اقدم المباني العامة التي تركزت حولها أولى المستوطنات في السهل الرسوبي كانت المعابد التي استمر تطورها سعة وشكلاً وعددا في الادوار التاريخية التالية .
وكانت المعابد بيوت الإلهة ومساكنها الا أن الألهة كانت متفاوتة في اقدارها ودرجاتها ومنزلة عبادتها وتقديسها. فالألهة القليلة الشأن لم يخصص لعبادتها سوى مزاٍ صغير قد يقام في احدى الطرق او في غرفه في بيت من بيوت السكنى.
و هنالك آلهة محليه بعبادتها وتقديسها مدينة من المدن المختلفة. فأله المدينة هو حاميها وشفيعها وقد شيد في كل مدينة معبد كبير لألهها.
اما الألهة العظام فهم الذين عمت عبادتها وتقديسها جميعا القطر ولم تقتصر على مدينة واحدة ومن هذه الالهة (مردوخ) اله بابل عندما عظم شأن هذه المدينة و اصبحت عاصمة امبراطورية في عهد ملكها الشهير حمورابي(١٧٩٢-١٧٥٠ ق.م).
من ابرز مواصفات الزقورة واكثرها حفاظاً على شكلها لاسيما بعد الصيانة التي أجرتها مؤسسة الاثار القديمة، لقد ازدهرت مدينه اور في زمن سلاله أور الثالثة التي دام حكمها زهاء قرن واحد( 2112 الى 2004 قبل الميلاد). واشتهر من ملوكها (أور- نمو ) الذي وجه نشاطها بالدرجة الأولى الى إعمار معبد اله القمر نانا. و زقورته.
ان هذه الزقورة تعاصر في الزمن زقورة الوركاء و زقورة أريدو وكذلك زقورة نفر وقد امتازت بوجه خاص في كونها مؤلفة في الاصل من ثلاث طبقات يطلق على هذه الزقورة اسم( اي – تمن - ني – كور). وقد استغرق تشيدها ثمان سنوات ؛ بنيت على انقاض زقوره اقدم منها وجعل الهيكل الداخلي من آجر اللبن. وأحيط هذا الهيكل من الخارج بجدار من الاجر المشوي سمكه 8 اقدام مبنى بمونه القير. ومن هنا جاءت تسميه الموقع بالمقيّر.
ان الطبقة السفلى من الزقورة مستطيله الشكل ابعادها 200 في 150 قدم وارتفاعها عن الارض ١١مترا وقياس الطبقة الثانية ٣٦ مترا. وارتفاعها ٦ امتار. وبقايا الطبقة الثالثة 20 في واحد متر. ولم يبقى من ارتفاعها الاصلي سوى ثلاثة امتار. وكان المعبد العالي قائما فوق الطبقة الثالثة ومن الثابت ان البرج هذا قد قام بتجديده ملوك متأخرين، اخرهم ( نبونيدس) أخر ملوك الدولة البابلية الحديثة وقد رفعه الى سبع طبقات.
ويلاحظ في الوجه الشمال الشرقي من البرج السلالم الثلاثة التي كان يرقي بها الصاعد الى أعلى البرج ، واحد في الوسط واثنان جانبين يتصلان بالسلم الاوسط في الاعلى. وقد قامت مديريه الاثار قديما بتجديد الغلاف الخارجي للجدران واعاده بناء السلالم.
ان ما يلفت النظر في سطوح اوجه الجدران الخارجية للزقورة التحدب والانتفاخ اليسير فيها والذي يطلق عليه( Entasis) في الفن المعماري, وهذا التحدب وظيفته التغلب على خداع البصر والذي بدونه تبدا الجدران مقعره لو انها شيدت مستويه السطح اي شاقولية تماما.
ان خاصيه التحدب في الجدران العالية وفي الأعمدة الشاهقة تميزت بها الابنية اليونانية بعد عده قرون من معرفة ابناء الرافدين لها ،ويلاحظ ذلك جليا في معبد البارثينون في اليونان ، وهنا نجد ان المعماري العراقي قد أوجد قواعد في غاية الخطورة منذ اكثر من ثلاث وعشرين قرناً قبل الميلاد.
اما الشيء الأخر الذين نلاحظه في بناء الزقورة فهو وضع السلام الصاعدة الى الأعلى بحيث تدفع بقصر الناظر اليها باتجاه القمه التي يرتفع فوقها معبد أله المدينة..
لقد دلت بعض القطع الآجرية المزججة والتي عثر عليها بين أنقاض الزقورة على أن الجدران كانت مكسية بالآجر المزجج وبألوان مختلفة، ويتعقد عالم الآثار السير ليونارد وولي أن الطبقة السفلى كانت سوداء، والطبقة التي تعلوها كانت حمراء والطبقة الثالثة كانت زرقاء، أما المعبد الشامخ فقد كان مغطى بقبة عليها طبقة من المعدن البراق .
٠وهذه الألوان لها معناها الخاص والتي يفسرها ( وولي) بكون اللون الأسود يمثل العالم السفلي أما اللون الأحمر فهو للعالم الخارجي المنير ، والأزرق رمز عالم السماء أما المعدن البراق فيرمز للشمس الساطعة.
والشيء الأخر الذي يلفت النظر في شكل الجدران الخارجية للزقورة هو عدم استوائها، بل أنها مكونة من طلعات وخرجات ، وهو الأسلوب المتبع في بناء المعابد في بلاد الرافدين ، والتي لها دورها الفعال في لعبة الظل والضوء نتيجة اشعة الشمس التي تتميز بها بلاد الرافدين حيث تعكس ظلالها على تلك الجدران فتعطيها منظرا جميلا .
الملوية و كما بينا عبارة عن جسم حلزوني اقرب للمخروط بينما الزقورة جسم مكون من عده مصطبات يعلو بعضها فوق بعض ويظهر هذا الحجم كلما صعدنا الى الاعلى.
ثم ان الملوية تنتهي بجسم اسطواني على سطحه الأعلى يقف المؤذن بينما نجد في اعلى الزقورة مساحه كبيره يقوم عليها بناء معبد او بيت اله المدينة ،اما الصعود الى أعلى الملوية فيتم
بواسطة مرقاة تدور حول الجسم الحلزوني دورات معاكسه لعقرب الساعة، في حين أن سلالم الزقورة تصعد الى الاعلى باتجاه مستقيم ولا تدور حول المصطبات.
من اول الدعاة بان طراز الملوية يماثل اسلوب الزقورة هو العالم الالماني (هرز فيلد) الذي تراس البعثة الألمانية التي قامت بالتنقيب في اطلال سامراء من سنه ١٩١١ حتى قيام الحرب العالمية الاولى.
ومن هذا فهو ينكر على من يقول باشتقاقها من الزقورة مباشرة ولكنه صار يعزي الاشتقاق الى ابراج النار التي يطلق عليها اسم كور ( CUR) وهناك واحدة منها قربه فيروز آباد في ايران وهذه الابراج ليست مخروطية كالملوية ، بل بشكل مكعبات تبرم حول نفسها وتظهر كلما ارتفعت الى ان تصل الى القمه حيث يكون مشعل النار فيها والسلام تدور حولها من الخارج ولكن هذه السلالم مغطاه بقبة وليست مكشوفة كالسلالم الموجودة في الملوية. لذلك فمن جميع الوجوه فأن هذه الأبراج غير مماثلة للملوية ولا يمكن أن تكون مصدر وحي واشتقاق لباني الملوية وان الملوية هذه كما قال الأستاذ ( أحمد فكري) في كتابه مساجد القاهرة ومدارسها ( ص١١٨ ) " منارة لم يكن لها نظير ، من قبلِ بنائها، ولا من بعده . من حيث أنها مستديرة القامة ، ومدرجة الطوابق ، وثانياً من حيث أن سلمها لولبي ، وقاعدتها مربعة ".
ومهما كانت النتائج فأن الزقورة والملوية هما بناءان وابتكاران من أبداع المعماري والمهندس الرافديني الذي أتحف العالم بكل ما هو بديع وجميل و ابتكرت يداه اروع الاختراعات واجمل الصناعات وأولها.